2014/05/03

إمتداد وانحسار دير الكحلونية الأب جورج صغبيني


إمتداد وانحسار دير الكحلونية

بنت الرهبانية دير مار الياس ومن حوله بيوت الشركاء في الكحلونية سنة 1765 على يد الأب اقليموس من كفرذبيان حين اشترى المزرعة المذكورة من الأميرين شديد وموسى ابي اللمع ولديّ الأمير مراد بثمن الفين وثلاثمئة وستة وسبعين قرشاّ .

وقد تعرض هذا الدير عبر تاريخه، منذ عهود القيسية واليمنية مروراً باليزبكية والجنبلاطية ووصولاً الى الاحزاب الطائفية، للنهب والسرقة والحرق والهدم وقتل رهبانه اسوة بابناء القرى المسيحية من حوله في سنوات 1841 و1845 و1860 و1983.

ولكن رغم هذا بقيت الرهبانية مستمرة في هذه المنطقة على حمل رسالتها فعملت على اصلاح الدير وبيوت الشركاء متوسعة الى أبعد من حدود المزرعة فانشأت ديراً في بلدة قبيع على اسم مار يوحنا المعمدان ومدارس في حمانا والعبادية 1830 وراس المتن 1831 وراس الحرف 1837 والشبانية 1839.

" وتشير التقارير التي ارسلتها الحملة الفرنسية ابان احداث 1860 ان اختلاط السكان في منطقة المتن المجاورة لبلاد كسروان كان الاول من نوعه في امارة الشوف"، التي اليها رحل الموارنة منذ عهد امارة فخر الدين في سياسة توسعيَّة مع رهبانهم فاقاموا قرى وضياع من حول الاديار. هذه الهجرة المارونية من شمال لبنان نحو جنوبه كانت المرة الأولى التى تجتمع فيها طائفتان في منطقة واحدة وتتعانقان بصفاء وودّ. لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلاَ بسبب بعض التداخلات الخارجية التي جعلت المتن الأعلى منطقة حدود بين الامتداد السكني والعمراني والديمغرافي الماروني - الدرزي .

وبسبب ظروف محلية واقليمية متناقضة وضاغطة حصلت صدامات دموية ذات وجه طائفي من جراء سياسة الامير بشير الثاني الذي قضى على زعماء طائفة الموارنة الاخوين باز وعلى زعيم طائفة الدروز الشيخ بشير جنبلاط لإضعاف الطائفتين معاَ تحقيقاً لشعار 6و6 مكررة قبل اطلاق هذا الشعار بنحو مئة سنة.

ومن اخطر الصدامات في تلك المرحلة المعركة التي وقعت في"الثاني من اذار 1845 اذ تجمع دروز المتن فقصدوا نصارى حمانا والشبانية ورأس الحرف وبعض دساكر المنطقة فانهزم النصارى واحرق الدروز مساكنهم وقتلوا جماعة منهم ونهبوا دير الكحلونية وقتلوا ثلاثة من رهبانه.

ويروي يوسف خطار أبو شقرا، حادثة الثاني من اذار 1845 كالتالي:

"الحركة الثانية موافق 1842 ويجعل بعضهم هذه الحركة في سنة 1845 . واما ما جرى في المتن فانه في الساعة التي ضربت ميعادا لاصلاء النار اطبقت جموع النصارى المتجمهرة من جهات بكفيا وبيت شباب والشوير وجهات حمانا وبرمانا وبيت مري وعين سعاده وخلافها على الدروز ، فاندهش الدوروز في بادىء الامر وتقهقروا امام الغزاة الكثري العدد ، فاعمل النصارى مواد الحرق في البيوت والمنازل سالكين سبل السلب والنهب وكان يوم السبت هذا ( نيسان 1842) يوما على دروز المتن مشؤوما لما نابهم فيه من النكبات ومباغتة الغزاة أمّا في اليوم الثاني وقد انجدهم الشيخ حسن محمود تلحوق بفريق من الجرديِّين البواسل فاشتد ازرهم وهجموا على النصارى المجتمعين في الشبانية وحمانا ورأس الحرف فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ومنحوا اكتافهم فالجأوهم الى الهرب ففرَّ النصارى امامهم وجعل الدروز يتبعونهم من قرية الى اخرى وكلما غادروا قرية غادروها مأكلاً للنار واللهب وعاد الدوروز ظافرين غانمين اموال النصارى مما لا تحصى له قيمة بعد استرداد اموالهم المسلوبة بالأمس وقد احرق في هذه الواقعة دير الكحلونية وقتل جانب عظيم من رهبانه الذين جعلوا ذلك الدير كمعقل للمحاربين من ابناء جنسهم فرمى الدروز عليه الحصار واخذوه عنوة وانجلت هذه المعركة عن اربعماية قتيل من النصارى وعشرين قتيلا من الدروز".

وفي احداث سنة 1860 كان لدير مار الياس الكحلونية ومحيطه من القرى نصيبه من النهب والسرقة والحرق والدمار كما ورد في كتاب رهبان ضيعتنا: "والكارثة الثانية نهب واحراق معظم اديارنا الجنوبية في الشوف والمتن في ثورة 1860 وقتل نحو من خمسين راهبا من رهباننا. فمن رهبان دير مشموشة وحده قتل 29 راهباً...".

وعلى أثر انسحاب القوات الاسرائيلية في شهر آب 1983 من منطقتي عاليه والشوف تصاعدت اعمال العنف وسقطت منطقة بحمدون فاضطر سكان راس الحرف وقتالة وحارة حمزة والكحلونية وعين موفق الى مغادرة قراهم باتجاه دير القمر بتاريخ 3 أيلول 1983 اسوة بسائر ابناء قرى الجبل المسيحيين. وقد جرى تهديم هذه القرى بما فيها كنائسها الأثرية وجمع اجراسها وتخريب مدافنها.

كنيسة دير مار الياس الكحلونية لم يبق منها الا حنية العقد الذي عليه صورة شفيع الدير مشوّهة

وتحت عنوان"السلم الناقص وحلم العودة" ورد في جريدة الديار ، خريطة 18 بلدة مهجرة في قضاء بعبدا وفيها إحصاء 1719 مسكنا مهدماً بشكل كامل:

"مهجرون في بلادهم، وبعيدون عن منازلهم، كثيرون منهم تركوا منازلهم ولم يأخذوا معهم قميصا. كان القصف لا يرحم...

هل يجوز ان يبقى المهجرون مهجرين وينام المسؤولون في بيوتهم؟

المهجرون قضية وطنية ولا وطن من دون عودتهم، والانتماء الى الارض كما الى الوطن يبقى ناقصا ما لم يعد كل مهجر الى قريته ومنزله.

كل الحديث عن الوفاق الوطني هو بهتان وتزوير ما لم تـُحلّ مسألة المهجرين...

وتحت عنوان الواقع السكني ورد:

عدد الأسر المهجرة

في بلدة حارة حمزة والكحلونية 44 عائلة

في بلدة قتالة 16 عائلة

في بلدة عين موفق 33 عائلة

في بلدة راس الحرف 154 عائلة

في بلدة العبادية 334 عائلة

وهذا العدد ينطبق على عدد المساكن التي يبلغ مجموعها في هذه المنطقة 581 منزلأ هدموا تهديما كاملا. وما نجى منها لا يصلح للسكن. بالاضافة الى المدارس والاديار والكنائس التي أندرست معالمها.

عادت اليوم الرهبانية الى منطقة الكحلونية مع أبناء بلدة الكحلونية وحارة حمزة وقتالة وعين موفّق وراس الحرف لتبدأ من جديد زرع كروم العنب والزيتون والجنائن والأشجار المثمرة ولبناء الدير والكنيسة والمدرسة...

 
 

ليست هناك تعليقات: