2014/05/03

أيها الموارنة السياسيون والمستزلمون عودوا إلى رشدكم وتهذيبكم وأخلاقكم الأب جورج صغبيني


أيها الموارنة السياسيون والمستزلمون عودوا إلى رشدكم وتهذيبكم وأخلاقكم وتعلّموا لغة الكبار لا لغة السباب والشتائم... ولا تتعلموا الآداب من النواب بل عودوا، في زمن تشتّت الموارنة السياسي وابتعادهم عن بكركي، إلى قراءة ما كتبه الدكتور شارل مالك تحت عنوان: " الكثير المطلوب من الموارنة ".

يقول المسيح: “إنّ من أُعطي كثيراً يطلب منه الكثير”. لقد أُعطي الموارنة كثيراً ولذلك يطلب منهم الكثير. أُعطوا أولاً، هذا الجبل العظيم، جبل لبنان اسم من أعطر الأسماء في الكتاب المقدس وفي التاريخ. اقترن اسمه بالمجد والكرامة والشموخ والبهاء والجمال والقداسة والصمود والرائحة الزكية، وبـ”أرز الرب” الخالد. وهو اليوم استراتيجياً من أشد الحصون مناعة في هذا الشرق ليس لذاته وفي حد ذاته فحسب، بل في تدبير الشرق الأوسط الدفاعي العام. لم يعط شعب في المنطقة كلها شيئاً بالطبيعة شبيهاً به، وإذا اعتبرنا أهمية هذه المنطقة اليوم في الإستراتيجية العالمية، وموقع الجبل الفريد، الشامخ من البحر مباشرة، صحّ القول، لربما، إنّ شيئاً شبيهاً بهذا الجبل لم يعط لقوم في العالم.

انه عطيّة عظيمة. التفريط به، بأي شكل، جريمة لا تغتفر. السؤال هو: هل يستأهل اللبنانيون، هل يستأهل الموارنة، هذه العطية العظيمة؟ هل يقدرونها حق قدرها؟ لبنان معطى للجميع، ولذلك كلنا جميعاً، وبالأخص الموارنة، مؤتمنون على هذا الجبل، مؤتمنون عليه كي يبقى منيعاً بأيديهم وبأيدينا كلنا، وكي يكونوا ويبقوا هم، ونكون ونبقى جميعاً، جديرين بما اقترن اسمه به معنوياً في التاريخ “مجد لبنان أعطي له” شعار يدل على أن مجداً عظيماً أعطي الموارنة، مجداً بقدر ما يبعث على العزة والفخار يستدعي أيضاً منتهى العبرة والتواضع.

أعطي الموارنة، ثانياً، لبنان، شعباً وتراثاً وقيماً... عندما أقول ان الموارنة أعطوا لبنان بشعبه وتراثه وقيمه، لا أعني ان الفئات الأخرى بتراثها وقيمها هي ملك للموارنة. إنّ ما أعنيه أنّ الفئات جميعاً أعطيت بعضها لبعض بمجرد تواجدها في بلد واحد تتفاعل فيه بعضها مع بعض. بهذا المعنى لبنان، بشعبه وتراثه وقيمه، أعطي للدروز وللسنيين وللشيعة وللأرثوذكس وللكاثوليك الملكيين ولجميع الفئات الأخرى التي تتكون منها الأسرة اللبنانية، لكنه أعطي أيضاً للموارنة. من هنا مسؤوليتهم الهائلة تجاه الآخرين المعطون لهم. اني استفرد هنا إعطاء لبنان للموارنة لأننا في صدد الكثير المعطى لهم، وبالتالي في صدد الكثير المطلوب منهم بالذات.

والمطلوب منهم، قبل كل شيء، بالنسبة للبنان المعطى لهم، شعباً وتراثاً وقيماً، أن يحرصوا الحرص كله على الحرية الشخصية الكيانية الإنسانية المسؤولة، التي وحدها تؤمن تعددية تراثاته وتفاعلها السلمي الخلاق بعضها مع بعض. بإمكان الموارنة أن يتساهلوا في كل شيء، أو يتفاوضوا حول أي شيء ما عدا هذه الحرية الشخصية الكيانية. بدونها لا وجود لهم وحتى لا معنى لوجود لبنان، حتى إن وُجد. ووجوده عندئذ كعدم وجوده تماماً، وعندما يتساوى الوجود وعدمه، ينعدم. أما بوجود هذه الحرية، قائمة مضمونة ثابتة، فباستطاعتهم مع الزمن أن يستعيدوا كل شيء، تساهلوا به أو تنازلوا عنه. أما بدونها فما يملكون، أو يظنون انهم يملكون، سيخسرون.

... يُطلب الى الموارنة – لانها جميعاً معطاة لهم – أن يقدروها ويرعوها ويحافظوا عليها، كنزاً لا يثمن، كنزاً يثري ذاته، ويثري العرب إنسانياً إذا أحبوا الإفادة منه، ويثري الشرق الأوسط ويثري العالم.

هي العناية التي تطلب هذا منهم بإلحاح، ومن لا يعي طلب العناية، أو من يعيه ولا يكون أهلاً له، أو من يعيه ولا يكترث به، فالعناية تعرف يوماً كيف تقتص منه.

أعطي الموارنة بلداً مجتمعه حر، تعددي، والمسيحية فيه حرة. هذا شيء كثير، خاصة في الشرق الأوسط، لذلك يطلب منهم الكثير الكثير.

يطلب منهم، وهم مقدروا الحرية الأول وعاشقوها، ألا يعملوا شيئاً، أو يقبلوا شيئاً، أو يقبلوا بشيء، يؤول الى تقليص حرية لبنان، بل أن يعملوا كل شيء لتمتين هذه الحرية وتعميقها وجعلها أكثر أصالة ومسؤولية، بحيث إذا جاء لبنان حر من احرار العالم الحقيقيين لا يشعر بالإختناق الروحي كما يشعر في غير لبنان، بل بأنه في داره وبيته تماماً. لبنان الحر قيمة لا تقدر في التدبير الإنساني الكياني العام للشرق الأوسط، والموارنة مؤتمنون على هذه القيمة لربما أكثر من سواهم. وبما أن هذه الحرية اليوم تقلصت وزمت في لبنان، وقد تمثلت (assimilated) أجزاء منه في نظم غيره، فعليهم أن يستردوا هذه الأجزاء ويعيدوها الى الرحابة اللبنانية الأصيلة وعلى كل اللبنانيين، الى أية فئة انتموا، أن يعاونوهم في عملية هذا التحرير، بإخلاص وتضحية يماثلان إخلاصهم وتضحيتهم هم.

... يطلب منهم، وهم الجسم المسيحي الحر الأول في لبنان، أن يحرصوا أشد الحرص على المسيحية الحرة، ليس لهم فحسب بل لكل فئة مسيحية أخرى. المسيحيون الآخرون مسيحيون مثلهم تماماً، ومن حقهم ان يكونوا في مسيحيتهم أحراراً مثلهم تماماً. على الموارنة أن يستمروا بإشعارهم بالفعل بأن حريتهم وذاتيهم مقدستان. وعليهم في نفس الوقت أن يحترموهم في مسيحيتهم، أياً كانت، وألا يفكروا بشأنهم فكرة واحدة أو يقولوا عنهم كلمة واحدة، في هذا العصر المسكوني المليء بالرجاء، يشتم منها انهم هم وحدهم (أعني الموارنة) مالكو كمال المسيحية وان مسيحية غيرهم ناقصة أو زائفة. مع اني لا أؤمن إطلاقاً، في الأمر المسكوني العقائدي، بأية توفيقية رخيصة، بل بحقيقة واحدة علينا أن نتلمسها جميعاً بالرجوع المنفتح الى الوحي المعطى والى التراث الاصلي والاصيل والى ارشاد الروح القدس الحي وتنويره. وفي شأن النشدان المسكوني على الموارنة أن يأخذوا بزمام المبادرة في إنشاء حوار مسكوني رحب مع الآخرين، لا بقصد إدانتهم والتنديد بهم، بل بقصد تلمس إرادة الروح القدس في حقيقة المسيح الأخيرة، وفي كيف يتفق الجميع ويتعاونون ويتحدون في الطاعة والإيمان وفي الرجوع الصحيح الى الأصول.

أن تكون المسيحية حرة بالفعل، لا بالإيهام والإدعاء الكاذب، في الشرق الأوسط فقط في لبنان، حرة كما هي حرة في أوروبة وأميركة تمامًا، إنّ هذا لأمرٌ في منتهى الخطورة في هذا الزمن... إذا سقطت المسيحية الحرة في لبنان ـ ولبنان آخر معقل لها في المشرق ـ انتهى أمرُها في الشرق الأوسط كله، بل في آسية وإفريقية. هذه مسؤولية لا أجسَم منها ولا أخطر! والموارنة هم المسؤولون الأُوَل عنها أمام العناية الإلهية. هل يعون هذه المسؤولية بالفعل؟ هل يقدرون خطورتها المتناهية؟ هل يفقهون مغزى أنها أوكلت إليهم؟ هل هم مستعدون بالفعل لحملها أمام العناية وأمام التاريخ؟ هل هم قادرون على تحمل أوزار حملها؟ لقد برهنوا حتى الآن انهم قادرون على ذلك. كافحوا في سبيلها وضحوا، ويكافحون الآن ويضحون، ولاشك عندي انهم سيكافحون ويضحون... ولأن مسلمي لبنان لبنانيون، فالحرية تراثهم الأعز كما هي تراث المسيحيين.

أن يتمكن المسلمون أن يقولوا انهم أحرار تماماً في بلد حر غيرهم فيه أيضاً أحرار، إن هذا اعتزاز من أشرف ما يمكن أن يتباهوا به لو كانوا يدركون. في أي بلد آخر في الشرق الأوسط يستطيع المسلمون أن يقولوا هذا بالفعل والصدق والحق؟ على المسيحيين، وبالأخص على الموارنة، أن يقنعوهم، بوداعة المسيح وبصبر العقل الرصين المسؤول، بهذا الشرف. وهذان الإقناع والإقتناع لا يأتيان إلا في مناخ الحرية الإنسانية الأصيل...

أُعطيَ الموارنة بكركي. بكركي مركز روحي فريد في الشرق الأوسط. الكل يتطلعون الى قيادته وتوجيهه. باستطاعة هذا المركز الكبير جمع شمل الموارنة وأكثر من الموارنة... بكركي من الأهمية بحيث إذا خرِبَ لبنان وبقيت هي سليمة معافاة قوية، ماسكة بيد من حديد بزمام دعوتها التي أُنيطت بها أزليًا، فباستطاعتها وحدها أن تعيد تعمير لبنان. أما، لا سمح الله، إذا خربت بكركي أو وَهَنت أو حلّ بها سقم ما، فلبنان وحده لا يستطيع إغاثتها كي تستعيد عافيتها وتبني ذاتها من جديد. وإذا كان لبنان خرِبًا فقد لا يستطيع أن يُعمِّر نفسه بنفسه إذا كانت بكركي أيضًا خرِبة. أي مؤسسة أخرى في لبنان يصح فيها هذا القول؟ وإذا قدرنا ماذا يعنيه لبنان تاريخيًا وعالميًا، تجلّى لنا مركز بكركي الفريد، وتِبعَتُها العظمى، في لبنان وفي العالم.

أما أسباب تفرُّد بكركي بهذا المركز العظيم فتعود الى طبيعة المارونية والموارنة، والى تاريخهم وتمركزهم في هذا الجبل، والى مجتمعهم المتلاحم المتراص، والى تنظيمهم المدني والكنسي. كل من هذه العوامل يستدعي بحثاً خاصًا مستفيضًا. بكركي مؤسسة حتم إفرازها تاريخ الموارنة، وطبيعتهم، وخبرتهم الكيانية، ومعاناتهم ومعاناة مسيحيي هذا المشرق الصاخبة المأساوية عبر الأجيال، المعاناة التي لم تستقرّ يومًا، وقد يكون قدرها أن لا تستقر أبدًا.

إذا شاءت العناية أن تمثِّل بكركي دورها المرسوم، وإذا استجابت بكركي لهذه المشيئة، فباستطاعتها أن تكون العامل الحاسم في مصير لبنان وفي مصير أكثر من لبنان. هذا الدور الحاسم يستدعي منتهى الحكمة والحزم والإقدام والتضحية والتواضع. وعلى أية حال، فإن الموارنة أعطوا بكركي، وهي شيء كثير، ولذلك يُطلب منهم ومن بكركي الكثير.

... في العصور الأخيرة مثلت فرنسا ورومية هذا الدور التلقيحي الخلاق، الذي مكن الموارنة من عطائهم العظيم المعاصر.

أعطي الموارنة هذا الارتباط الوثيق برومية. التراث المسيحي الشرقي الأرثوذكسي مفتوح للأرثوذكسية بتمام كماله، بينما المارونية، بالإضافة الى التراث السرياني الآرامي الشرقي، مفتوحة الى التراث الغربي المسيحي الروماني. المارونية ليست مفتوحة الى التراث الأرثوذكسي الشرقي انفتاحها الى التراث الروماني الغربي. رومية، بما تعنيه عالميًا وتراثيًا، خلّصت الموارنة من أي انعزالية محض محلية أو شرقية. إنه ثراء هائل، أن ترتبط الشرقية السريانية، على محدوديتها، بالغربية الرومانية بعالميتها اللامحدودة.

هذا الجمع الفريد، حضارياً وعقائدياً، بين الشرق والغرب، أعطيته المارونية بشكل رائع، وهي المؤتمنة عليه. هو الذي يكافحه المتزمتون الإنعزاليون الشرقيون اليوم ويبتغون محوه من الوجود. إن متهمي الموارنة بالإنعزالية هم الإنعزاليون الأصليون، لأنهم هم عزلوا أنفسهم، كيانياً وتراثياً، عن الحضارة الواحدة المتراكمة، والمتفاعلة من الداخل – الحضارة المتراكمة المتفاعلة منذ هوميروس وموسى حتى اليوم. إنّ ما يضمره ويخططه هؤلاء الإنعزاليون الأصليون الحقيقيون للموارنة هو أن يتخلوا عن غربيتهم الرومانية العالمية وينضموا إليهم في عزلتهم الشرقية، حتى وإن بقي الموارنة رائعين في سريانيتهم المحلية. عندئذ يصبح الموارنة أريوسيين أو ما آلت إليه الاريوسية. وهذا بالطبع مستحيل علاقة الموارنة برومية هي التي حفظتهم من أي انحراف عقائدي. أياً كانت عقادئهم في البداية، أو أياً كان جنوحهم العقائدي، قبل تمتين هذه العلاقة (وأنا لا أعرف الكافي الفاصل في أمر موقفهم الأصلي من الإرادة الواحدة والطبيعة الواحدة)، فهم الآن في مأمن تام من الوقوع في أي زلل إيماني. هم كاثوليك بكامل معنى الكلمة، ولذلك لا مجال لأي اختلاف عقائدي أساسي بينهم وبين الأرثوذكس... إني اعتبرها عطية كبرى، هذه التي أعطيها الموارنة بارتباطهم الكياني، مزاجياً وفكرياً وعقائدياً، بالشرق والغرب معاً، عطية ليس فقط لهم هم، بل لسائر المسيحيين في المشرق، وللبنان عامة، وحتى لمسلمي ويهود الشرق الأوسط كافة...

أما ارتباط الموارنة التقليدي بفرنسا فيمكن اعتباره متمماً لارتباطهم برومية أو متفرعاً منه. الأصل رومية الكاثوليكية والفرع فرنسا اللاتينية...

فضل رومية على الموارنة فضل لا يُقدّر، وردهم على هذا الفضل وفاؤهم لها. رومية فتحت أمامهم آفاق الإنسان والتاريخ والعالم، وبذلك دخلوا الى حد بعيد في التراث الإنساني العالمي الواحد المتراكم. هذا الدخول مكن فيهم حبهم للحرية التي هم فيها أصيلون... والموارنة، بفضل رومية، يعرفون العالم، زمنيًا ومكانيًا، ومخافتهم تركّز على الله والحقيقة فقط.

أعطي الموارنة تاريخًا موحّدًا، منفصلاً، قائمًا في حد ذاته، محدّد المعالم. لا تتمتع أي فئة أخرى في لبنان، بل لربما في أوسع من لبنان، بهذه الصفة المُعطاة. لم يُكتب تاريخ موحّد لأية فئة أخرى بالدقة والتفصيل والتواصلية التاريخية العريقة غير المتقطعة، التي كتب بها تاريخ الموارنة، وقد لا يكون بالإمكان وضع تاريخ لها بنفس الدقة والتواصلية، إذ قد يكون أن ليس لها تاريخ بنفس المعنى. ليس هذا من سبيل الصدف. تصوّر تاريخ السنّة في لبنان، أو تاريخ الشيعة، أو تاريخ الدروز، أو تاريخ الأرثوذكس، أو تاريخ الكاثوليك الملكيين. بالطبع يمكن لهذه التأريخات أن تُكتب، لكن هل تستند بالفعل الى تاريخ حقيقي؟ إن هذه التواريخ جميعًا لا يمكن تصوّرها بالوحدة والتحديد، والبعد والعراقة التاريخيين، وبالتواصلية، التي يُتصوّر بها تاريخ الموارنة.

... وما نعرفه عن الموارنة قبل لبنان كم مهمل نسبياً إزاء ما نعرفه عنهم في لبنان. كون الموارنة لهم بطريرك واحد وكون مقره في لبنان. إنّ هذا أمر حاسم.

... ليس عبثاً ولا باطلاً، وليس هباءً ولا سدًى، وليس للاشيء ولا للاعلة أو سبب، أن الموارنة وُجدوا، وأنهم يتمتعون بهذا التاريخ الموحّد المتواصل الفذ لألف وخمسمئة سنة. وجود هذا التاريخ، وبالتالي وجود الموارنة ينطوي على سر. أعطوا الوجود، وهذا شيء كثير، وبالتالي يُطلب منهم الكثير. وإذا تأملت كل ما أعطوه بعد الوجود، ومع الوجود، وفوق الوجود، لخلصت الى أن ما يُطلب منهم هو كثير كثير .

وسر عداوة أعداء الموارنة للموارنة هو انهم يحسدونهم لوجودهم لأنهم يريدون أن يوجدوا هم فقط. وليس هذا فحسب، بل يخشون أن يكون لوجود الموارنة سر، وبالطبع لوجودهم سر. وليس هذا فحسب، بل لعلهم يخشون كذلك أن لا يكون لوجودهم هم، أعني لأعداء الموارنة، معنى أو سر، أو لعلهم لا يزالون يتلمسون هذا السر. الوجود في حد ذاته أمر غريب، وغرابته ان سراً دفيناً دائماً يكمن فيه. ولعل الأعداء الحاسدين يهابون سر الموارنة ويخشون أن لا يكون لهم هم سر، أي ان لا يكونوا هم موجودين بالفعل، أي ان يكون وجودهم هم شيئاً مصطنعاً زائلاً. الواثق في وجوده لا يجسد ولا يضمر العداوة لأحد. الواثق من وجوده لا يريد حذف وجود الآخرين. الواثق من وجوده يتسع صدره لوجود الآخرين بل يرحب ويفرح ويثرى بهذا الوجود.

من يدري إذاً ما هي إرادة العناية بشأن تطور علاقتهم مع العرب واليهود؟ القربى السامية والأساسية بين الموارنة والعرب واليهود قد يكون لها في تدبير العناية، أثر مصيري في تطور هذه المنطقة المأهولة بالشعوب الثلاثة والحضارات الثلاث. قلنا ان سراً يكمن في مجرد وجود المارونية، وقد يكون مفتاح هذا السر هذا الأثر المصيري بالذات. لا يدري هذا السر غير الله. بكل تأكيد لا يدريه الموارنة في كماله بعد، ولا يدريه أحد في لبنان أو في خارج لبنان...

شارل مالك

شارل حبيب مالك (1906 - 1987) هو سياسي ودبلوماسي ومفكر لبناني أرثودكسي. كان العربي الوحيد الذي شارك في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديسمبر 1948 بصفته رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.

شغل منصب وزير الخارجية بين نوفمبر 1956 وسبتمبر 1958.

وشغل منصب وزير التربية والفنون الجميلة من نوفمبر 1956 حتى أغسطس 1957 في حكومة سامي الصلح في عهد الرئيس كميل شمعون.

ترأس الجمعية العامة للأمم المتحدة بين عامي 1958 و 1959. ساهم في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية في تأسيس الجبهة اللبنانية وكان من أبرز منظريها وكان الوحيد بين أقطابها الذي لا ينتمي إلى الطائفة المارونية. توفي في بيروت في 28 ديسمبر 1987.

 
 

ليست هناك تعليقات: